نحن، عشر منظمات سورية عاملة في مجالات توثيق الانتهاكات والمساءلة والعدالة الانتقالية وبناء السلام وداعمة للانتقال الديمقراطي
في سوريا، عملنا سوياً خلال العام الماضي بالتعاون مع المركز الدولي للعدالة الانتقالية على مشروع من أجل حماية الأطفال والمدارس في سوريا. مشروعنا “أنقذوا المدارس السورية” يدرس ويحلّل الآثار الإنسانية والقانونية والاجتماعية والنفسية للهجمات على المدارس استناداً إلى توثيقات تم جمعها من داخل سوريا بما فيها أعداد الهجمات على المدارس، وأعداد الضحايا المتضررين منها مدعومة بشهادات تم جمعها من ناجين من هذه الهجمات من مختلف الشرائح العمرية ومن مواقع مختلفة تشمل طلاب ومعلّمين وموظفي الإدارة وأهالي الطلاب الذين كانوا في المدارس عندما تعرّضت للهجوم فضلاً عن روايات شهود العيان.
سيركّز تقريرنا على الهجمات التي وقعت على المدارس خلال سنوات الصراع السبعة كما يمثّل تعاوناً غير مسبوق وتضافر جهود المنظمات السورية العشر المتنوعة المهام بالإضافة إلى المركز الدولي للعدالة الانتقالية. هدفنا زيادة الجهود الملموسة لوقف الهجمات على المدارس في سوريا بحيث أنها تشكّل انتهاكات للقانون الدولي الإنساني. لقد اتفق العالم منذ زمن طويل على وجوب حماية المدنيين في أوقات الصراع وعلى أن التعليم حجر الزاوية في التنمية البشرية والاجتماعية كونه يعزز قدرات الناس ويحسّن معيشتهم كما يمكن أن يرسّخ قيم السلام والحرية والعدالة الاجتماعية. ومع ذلك، فإن معايير القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان يتم تجاهلها باستمرار. نهدف إلى زيادة الوعي حول هذا الواقع وكيفية تأثير وحشية الصراع على أطفال سوريا. نطلب من العالم التحرّك الآن لحماية مدارس سوريا والبحث عن العدالة لملايين التضرّرين.
لقد أسفر الحل العسكري العنيف تجاه الحراك الشعبي السوري منذ عام 2011 عن عنف ودمار لا يمكن تجاهلهما مما أدى إلى تدهور الوضع التعليمي في سوريا وصعوبة وصول الطلّاب للمدارس والتعليق المطوّل لتعليم ملايين الأطفال السوريين. وقد أدى ذلك إلى فجوة كبيرة في التعليم وإلى تنامي ظاهرة زواج القاصرات وعمالة الأطفال وتجنيدهم في صفوف المجموعات المسلحة لدى كل أطراف النزاع. كما توقّف العديد من الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدرسة خوفاً على سلامتهم أو بسبب نزوحهم المتكرّر أو للسببين معاً. كما أدى ذلك إلى خروج جيل بأكمله عن مساره وتآكل قدرته على تحديد مستقبله مما جعله عرضة للخوف والحاجة. هذا الوضع يهدد مستقبل مجتمع بأكمله لعقود. انتشار الجهل والأمّيّة داخل المجتمع إنما يتمثّل بتوليد العنف وعدم احترام الحياة وسيادة القانون مما يخلق بيئة مواتية للتطرّف والتشدّد خصوصاً مع تصاعد الأيديولوجيات المتطرفة.
كما أصبح هناك تمييز ضد الفتيات كونهن الأكثر عرضة للعنف وعدم الأمن وهذا الأمر دفع العديد من الأهالي الى إخراج بناتهم من المدراس. قبل اندلاع الصراع كانت أكثر من 22000 مدرسة تعمل أما اليوم فأكثر من ثلث المدارس قد أغلقت أو تعرّضت للضرر والتدمير. وقد وثّقت منظماتنا بشكل مباشر ما لا يقل عن 1292 هجوماً على المدارس.
يحتاج اليوم حوالي 5.8 مليون طفل دون سن 18 إلى مساعدات إنسانية وتعليمية، كما أن 2.9 مليون طفل سوري دون سن الخامسة قد نشأوا لا يعرفون سوى الصراع. وكان حوالي 1.75 مليون طفل في سن الدراسة (5-17 سنة) داخل سوريا خارج المدرسة في العام الدراسي 2015/2016. إن هذه الأرقام غير مقبولة. لا يمكن للعالم أن يغض النظر.
وتشمل جرائم الحرب المرتكبة في سوريا هجمات متعمّدة وعشوائية وغير متناسبة على المدارس والمدنيين الذين يترددون عليها، بمن فيهم الطلاب وعائلاتهم والمعلّمون والموظفون الإداريون. إن رفض أصحاب السلطة اتخاذ خطوات لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الانسان والعنف الممارس ضد المدنيين في سوريا قد سمح باستمرار هذه الهجمات. بيانات الإدانة وحدها لم ولن تكون كافية.
رنيم البالغة من العمر 15 عاماً، من دوما، والتي فقدت رجلها في هجوم على مدرستها قالت لنا في مقابلة: “الحرب ستنتهي عندما نعمل يداً بيد”. لقد حان الوقت للاستماع إلى كلماتها واتخاذ موقف معاً لوقف الهجمات العنيفة على المدارس السورية والأطفال السوريين. معاً، نطالب بالتالي:
-
إيقاف الهجمات على المدارس وحماية الأطفال والمدنيين والمدارس من الهجمات والتّدمير والاستغلال العسكريّ. الحصول على التعليم الآمن والجيّد هو حق وغير قابل للتفاوض بالنسبة للعائلات والمجتمعات السورية.
-
الاحترام الكامل للقانون الدولي الإنساني، وتجنيب وحماية السكان المدنيين من أخطار الصراعات المسلّحة والاحترام الكامل للقانون الدولي لحقوق الإنسان خاصةَ اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولها بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة.
-
محاسبة مرتكبي جرائم الهجمات على المدارس وتوفير العدالة وجبر الضرر للضحايا. وينبغي أن يكون تقديم الدعم النفسي والاجتماعي أولوية فورية، فضلاً عن اعتباره حاجة طويلة الأجل ويجب أن تشكل جزءاً من تدابير شاملة للإغاثة وجبر الضرر.
-
إحالة هذا التقرير الى الآلية الدولية المحايدة المستقلة (IIIM) للبدء بإجراء تحقيقيات كاملة بشأن الهجمات على المدارس في سوريا.
-
البدء على الفور بعملية إصلاح وترميم المدارس والنظام التعليمي في سوريا. ونظراً للخسارة الكبيرة في التعليم، يجب النظر في خطوات لتسريع التعلّم الذي تم تفويته وايجاد أنواع معينة من التعليم غير النظامي (informal schooling)؛ وإجراء امتحانات أو تقديم الدعم والفرص للتحضير ولإجراء الامتحانات التي تم تفويتها خلال الصراع.
-
يجب أن تتضمن عملية السلام إعادة تقييم صارمة للمنهاج الدراسي والذي لا يعطي كل طالب نفس نوعية التعليم فحسب، بل يعلّم أيضاً عن التاريخ بطريقة حيادية لا تمجّد جانباً أو آخر، ولكنها تقدّم وقائع وتسلّط الضوء على أصوات الضحايا وروايات العدالة والسلام والتعايش.
-
یجب علی جمیع الدول الأطراف أن توقّع علی الفور إعلان المدارس الآمنة الذي یؤید تنفیذ الأدلّة الإرشاديّة من أجل حمایة المدارس والجامعات من الاستعمال العسکري أثناء النزاع المسلّح. بالإضافة إلى البحث في كافة “التدابير البديلة الممكنة” قبل مهاجمة مدرسة أو جامعة، بموجب القاعدة 4 (أ)، “قبل أي هجوم على مدرسة أصبحت هدفاً عسكرياً، يجب على أطراف النزاع المسلّح أن يأخذوا في الاعتبار حقيقة أن الأطفال يستحقّون احتراماً وحماية خاصة”، هناك اعتبار إضافي مهم آخر، هو الأثر السلبي الطويل الأجل المحتمل على قدرة المجتمع المحلي على التعليم، بعد تدمير المدرسة أو الإضرار بها”.
-
الحاجة إلی شارة ممیزة ظاهرة ویمکن التعرف عليها لحمایة المدارس من الهجوم، علی غرار الشارات المستخدمة لحمایة المستشفیات والمرکبات وللذين يوفّرون الخدمات الطبیة والإغاثة خلال النزاعات المسلحة أو لحمایة المواقع الدینية والتراث الثقافي. يجب التوصّل إلى اتفاق دولي لإنشاء مثل هذه الشارة المميّزة وتحديد كيفية استخدامها، كما يجب تحديد بشكل واضح التزامات القوات المسلحة لاحترام مثل هذه الشارة. شارة القانون الدولي الإنساني يجب أن تمنح حماية خاصة للمدارس والأطفال في النزاع السوري وأن تضمن للمدارس والأطفال الاحترام والحماية الخاصة بموجب القانون الدولي. ينبغي على جميع الدول الموقّعة على اتفاقيات جنيف أن تسن قوانين محلية وسياسات عسكرية تحظّر الهجمات على المدارس التي تعرض الشارة المميزة.